بـقـلــم: المربية جمانة الشهال
الحمدلله على نعمة الهداية وكفى… والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى… أما بعد
يعتبر شهر الصوم فترة تقييم يقاس فيها مستوى الإيمان الذي نملكه، هل هو فعلاَ إيمان قوي أم أنه إيمان ضعيف فاتر. وهل برنامجنا في هذا الشعر الفضيل هو مجرد روحانيات مؤقتة لتحصيل البركة في شهر المقاييس فيه غير عادية أبداً. فالمسلم عادة يتحمس في هذا الشهر الفضيل، يتحول إلى *كائن رمضاني*، يضبط شهواته، يكظم غيظه، صائم بالنهار قائم بالليل، مسارع للخيرات والصدقات، يختم القرآن وملتزم بجميع النوافل. ولكن ما إن ينتهي رمضان فهو لا يداوم على حاله هذا. لذلك أيها المؤمن الحق لا بد أن نتساءل:
كيف أصنع بالظبط هويتي الخاصة التي أريد أن أخرج بها من عبادات رمضان؟
كيف أحرص ألا تنطفئ هذه الفوضى الإصلاحية وألا تكون فورة حماس شهرية؟
ما هي الحلول للحفاظ على هذا الصلاح حتى لا أتراجع بالخطوات التي تقدمتها إلى الوراء؟
كلنا يعلم أن التغيير يحتاج إلى رؤى مستقبلية مبتدئة من أن الصوم لله، منتهية بإذن الله بالعتق من النار. فلا بد إذاً من التخطيط والتنظيم وعدم أخذ الأمور بعفوية لتحصيل أكثر فرص ممكنة.
أول خطوات التخطيط للاستمرار في الصلاح بعد رمضان، هو تحديد الهدف القريب والهدف البعيد. فالهدف الأول هو:
*من أريد أن أكون في رمضان القادم!* والهدف البعيد والأسمى هو: *أين مقامي في الجنة*. فالمتسابقون للتقرب من الله كثر، أحد السلف يقول: الخلق في سبقٍ إلى الله فلتكن أول سابقٍ إليه. وعلى سبيل المثال وليس الحصر بعض العبادات الرمضانية التي نرغب باستصحابها والمعينة على السبق:
عبادة الثبات*: الثبات من عظائم الأمور وهي بإذن من الله، لقوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا }. المسلم في رمضان يستشعر المراقبة الربانية له فلا يتجرأ على فعل بعض المباحات وليس فقط الحرام، فعليه بعد ان تذوق لذة حب الطاعة ألا يستسهل العودة للمعاصي وأن يربي نفسه على استصعاب عصيان الله، فهذا الإنسان ما أسهل أن يغفر الله له عند الخطا، على عكس الذي يستسهله ويذهب إليه بكامل إرادته. وليتذكر أن ترك الأشياء من أجل الله شرف، فهو ترك الشهوة والطعام والشراب الحلال خلال فترة الصوم للحصول على حسن الجزاء لحديث: ” الصوم لي وأنا أجزي به”، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. والمعين على الثبات على التوبة المحافظة على الصلاة والورد القرآني وتحديد الغاية الدائمة وهي: إلهي انت مقصودي ورضاك مطلوبي.
*عبادة الخفاء*: كن خلال العام التقي الخفي، الذي يتدرب على إخفاء أعماله الصالحة كما كان في رمضان، لا يبتغي الأجر إلا من الله فلا رياء ولا ظهور. قال تعالى {ألم تعلم بأن الله يرى } ولنتذكر دائماً أن كل ما نفعله من أجل رضا الله والجنة، فنحن لم نراها، ولكننا علمنا بها، ونعمل لها وهذه مستقبلية
*عبادة النفع*: يقول البعض: إن بعد رمضان مداومتي على عباداتي وصلاتي ليست بالكثيرة، ولكنني أستطيع مساعدة كثير من الناس. ونرد عليه بقولنا إن في إنجاح أمور الناس الدينية والدنيوية من خلال تزويدهم بالأدوات اللازمة ودلالتهم على وجوه الخير أجر كبير، بشرط أن يكون العمل خالصاُ لله تعالى. ورد في الحديث أنه قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ ”
*عبادة الدعاء*: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما شيء أكرم على الله من الدعاء”. إلزم الدعاء على الاستقامة التي هي عين الكرامة، وتمنى على الله، ادعو أن يلهمك الله ألا تفتر عن الطاعة وأن تبقى بهمتك ، أطلب بصدق من الجواد الذي يستحي أن يردك خائباً. والله تعالى يجيب الأمنيات عرفنا أم لم نعرف. تضرع كما تتضرع في ليلة القدر ، مرغ وجهك ببابه وقل: يا رب أعوذ بك من التراجع، من النقص، من الذنب. أترك دموعك تغسل أدران قلبك وتطهرك.
وختاما” كلنا يعلم نقاط ضعفه ومكامن قوته فلنجتهد بشتى الطرق في إصلاح ظواهرنا وبواطننا… ولنتذكر أن أول يوم من شوال يعتبر الفيصل والدلالة والعلامة التي تؤكد مدى المصداقية التي قضيناها في فصل رمضان المبارك. وهل سترجع حليمة إلى عادتها القديمة.!!!..
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..