بقلم: سماحة القاضي همام الشعار
اشتهرت عبارة “أكبر خدعة قام بها الشطان على الإطلاق هي إقناع العالم أنه غير موجود” من فيلم the usual suspects المقتبسة من بودلير. إلا أن أكبر خديعة مارسها الشيطان على العديد من المسلمين هي في إقناعهم أن الإيمان المطلوب من الانسان هو مجرد التصديق القلبي بوجود الله، حتى شاعت مقولة “الدين بالقلب”. وصار المغترون بهذه الخدعة يدافعون عمن يجاهر بمحاربة الدين أو بمعصية الله جهاراً نهاراً أن لعل قلبه عامر بالإيمان، بل لعله خير ممن يصوم ويصلي ويقوم بأعمال الخير والقربات ، و: هلا شققتم عن قلبه؟؟
فصار الإيمان منحصراً باعتقاد وجود الخالق فقط ، وهو مذهب الربوبيين الذين خلاصة مذهبهم أن الله خلق العالم ثم تركه وشأنه هملاً وأجيبوا بقوله تعالى {أيحسب الانسان أن يُترك سدى}. ثم طور البعض المفهوم ليشمل الملاحدة أيضاً فقالوا أن الأصل هو نظافة القلب وحب الخير للغير ، وهو مذهب الانسانويين الذي اتخذوا الانسنة ميزاناً للأعمال بغض النظر عن اعتقاد وجود خالق واجب الخضوع والانقياد له وأجيبوا بقوله تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً} وقوله {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه}.
ولو أن هؤلاء قرأوا القرآن الكريم لوجدوا أن قصة الشيطان مع سيدنا آدم ورفضه السجود له وإبائه الانصياع لأمر الله جل جلاله واستحقاقه الخلود في النار لفعله ، هي قصة رئيسية ؛ يربطها القرآن دائماً في تحذير العصاة والمنحرفين ويجعل منها مثالاً يضرب للإنذار والتذكير .
وكفر الشيطان فيها كان كفر استكبار وإباء لا مسألة اعتقاد وتصديق، إذ رفض الخضوع للأمر الإلهي وأبى السجود لآدم طاعة لله ، كما فعلت الملائكة أجمعون.
وانطلقت إثر هذه الحادثة معركة الغواية بين الشيطان والانسان ، فارتسم مساران متضادان للانسانية: طريق مستقيم وصراط واضح المعالم أُنير بأضواء النبوات وهدايتها، وهو طريق الفطرة التي خلق الله الناس عليها {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} ؛ ويقابله طرقات وسبل مظلمة تودي بسالكيها إلى هاوية الانحراف والضلال لتهوي به في نار الجحيم {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}. وقد صح عن الله جل جلاله في الحديث القدسي تصوير هذا الصراع فقال جل شأنه:”إني خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما احللت لهم وأمرتهم بما لم أنزل به سلطاناً”.
وقد وجد الشيطان أن ما يبذله وحزبه من عناء لإغواء البشر ، يضيع بخفقة قلب تائب أو بدمعة ندم عاصٍ ، حتى الكفر والشرك يمحوه الله بالتوبة بل قد يبدل سيئات البعض حسنات ، ففكر وقدر كيف يمنع الانسان من التوبة فتيقن أن سبب انحرافه وإصراره على الكفر هو الأنجع في ضمان نجاحه، فخاطب كبرياء البشر وغرورهم وأعطاهم جرعة منه . {وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين} – أي عقلاء ذوي بصيرة- {الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا }.
ونحن نرى اليوم هؤلاء المغرورين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات المأجورة وهم {من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون} {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء }. بل وصل الأمر بأحدهم أن قال أن فهم رسول الله لكلام الله لا يلزمه.
فصار من يأتي بالصيام والقيام وعمارة المساجد ومناسك الحج من المؤمنين موضع تهمة ، وما علموا أن كفار قريش سبقوهم في ذلك واشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم الشروط فيهم فأمر الله جل جلاله نبيه بقوله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه … ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}
إن خدعة الشيطان لجهلة المسلمين أن الإيمان بالقلب وأن “من كان قلبه طيباً” هو عند الله مؤمن في الجنة ولو عبد الأصنام او ألحد في وجود الله ، وأنه أقرب إلى الله من المؤمنين التقليديين؛ لا يمكن أن تستقيم لدى أي شخص سويّ سمع الوحي الإلهي؛ ما لم يكن خُتم على قلبه فلم يعد يسمع أو يعقل. وهذا الختم على القلب لا يتأتى إلا بالغرور والاستعلاء. فالجرأة على الدين والرسول والمؤمنين تحتاج إلى منبت سيء لا يتحصل إلا في مستنقع الكبرياء مع تغذيته بالاستعلاء في الفهم على أهل الذكر من أتباع الأنبياء.
إن الإيمان ليس في القلب فقط وإنما ذلك الاعتقاد. أما الإيمان المنجي بصاحبه من النار والمدخل له إلى دار السعادة والقرار فهو كما عرفه أهل السنة : قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”(رواه مسلم). وقررها الله بكلامه المعجز {والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات }. فهل من مدكر؟