بقلم: فضيلة الشيخ بسام البستاني
رئيس دائرة أوقاف طرابلس
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمه التي لا تعد ولا تحصى. وما بكم من نعمة فمن الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وإمام المتقين والهادي إلى الحق والنور المبين وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين. وبعد،
قال تعالى يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ سورة البقرة الآية 183، وفي الحديث القدسي “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.
رمضان شهر الخير وشهر البركة وشهر العطاء وشهر الجود وشهر الفضائل كلها، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”
والجُود هو سعة العطاء وكثرته، والله تعالى يوصَفُ بالجودِ، وفي الأثر المشهور عن فضيل بن عياض: إن الله تعالى يقول كل ليلة: أنا الجواد ومني الجود، أنا الكريم ومني الكرم. فالله سبحانه وتعالى أجود الأجودين، وجوده يتضاعف في أوقات خاصة، كشهر رمضان وفيه أُنزل قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ سورة البقرة الآية 186.
وكان صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس كلهم وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله تعالى من إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمُّل أثقالهم.
والجود في شهر رمضان فيه فوائد كثيرة، منها شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعًا “أفضل الصدقة، صدقةٌ في رمضان”.
ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، وفي الحديث عن النبي قال: “من فطّر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء”.
ومنها: أن شهر رمضان، شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، فالصيام والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل، قال بعض السلف: “الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك”.
ومنها: أن الجمع بين الصوم والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها، فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: “الصيام جنة” وفي حديث معاذ عن النبي: “الصدقة تطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار”.
ونختم بقول الإمام الشافعي، “أُحبِبُ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغُلِ كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم”.