بـقـلــم: فضيلة الشيخ فراس حسين بلوط
رئيس قسم الشؤون الدينية في دائرة أوقاف طرابلس
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
ونحن نعيش هذه الأيام المباركات في شهر القرآن الكريم حيث القلوب النقية المتوجهة إلى الله سبحانه فلا إخلاص ولا خضوع ولا انقياد إلا له، وحيث النفوس الزكية التي تطهرت من كل الآفات فلا كبر ولا تعالي ولا ولا حسد ولا بغضاء ولا شحناء، وحيث الهمم قوية مقبلة على الطاعات بكل أنواعها، وحتى نكون عمليين لا منظرين، أحببت أن نستخضر معاً حلاوة هذه العبادات، القلبية النفسية والعقلية الفكرية والعملية السلوكية، حتى لا تكون عبادات شكلية نفرح بها في وقتها ثم ننساها بعد انتهائها، بل ليكون لها مضامين ومعانٍ نعيشها باستمرار، فتكون العبادة محطة التزود وتستمر طاقاتها فينا لنعيشها بأرواحنا ونفوسنا وأخلاقنا، ليكون التأمل والنظر في خلق الله تعالى علوماً ومعارف نفتح بها عقولنا ونوسع من خلالها مداركنا لنكون أكثر قدرة واتقانا على التخطيط وحسن التعامل مع الناس، ولتكون الصلاة مثلاً برنامج عمل نعيشه بعد انتهائها بتلاقينا وتكاتفنا وإفشاء السلام بيننا، وليكون شهر الصيام ميداناً خصباً لزرع الأمل في نفوسنا، وإحياء الحب فيما بيننا، ونشر الخير بكل أبعاده المعنوية والمادية في أسرنا ومجتمعاتنا،
وهكذا سائر العبادات تكون مفاعيل وجدانية نزكي بها أنفسنا باستمرار، وبرامج عملية ننطلق بها رحمة وهداية وخيراً للناس أجمعين.
تأملوا معي _ يا رعاكم الله _ قوله تعالى: {لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٧٧]
فالبر ليس مجرد عبادة شكلية مجردة بل هو عقل حاضر (فهم دقيق)، وقلب متيقن (إيمان عميقن) وبرنامج متكامل (عمل مستمر).
بتعبير آخر على أحدنا أن يكون دائماً بجهوزية متكاملة وشاملة، مستجيبا نداء ربه سبحانه: {سَابِقُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ}
[سُورَةُ الحَدِيدِ: ٢١]
يعيش في بيئة صادقة صالحة فعالة معالمها {یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ}[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١١٤].
نريد أن نعيش حلاوة إيماننا بالله تعالى جمالاً في نفوسنا وفي أخلاقنا، لكي نسع بهذا الإيمان العالم بأسره لأننا نؤمن برب العالمين.
نزيد أن نعيش حلاوة إسلامنا سلاماً شاملاً، فنكون صناع السلام ومفاتيح الخير ومصادر الأمان في كل مجتمع نعيش فيه.
كل هذه المعاني وغيرها الكثير الكثير، نستطيع أن نعيشها بكل صدق ودون تناقض مع أنفسنا ومع من حولنا لنستحق لقب خلفاء الله في أرضه، وهذا الميدان هو الذي يليق بإيماننا وإسلامنا فلنبادر وقبل فوات الأوان: {وَسَارِعُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِینَ (١٣٣) ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ (١٣٤) وَٱلَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ یُصِرُّوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلُوا۟ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ (١٣٥) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ جَزَاۤؤُهُم مَّغۡفِرَةࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ (١٣٦)}
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٣٣-١٣٦]