بـقــلــم: الأسـتاذة هـنـادي الشـيـخ نـجـيـب
كاتبة واعلامية وعضو الهيئة التأسيسية لرابطة المدربين العرب
“القصص تحكي بالنيابة عنا كلّ شيء”، هذا ما أؤمن به.. تقول القصة:
عاش رجل بسيط في مملكة، يحكمها ملك محبّ لشعبه، كريم، لا يوصد بابه في وجه قاصد.
وكان ذلك الملك يرسل كل يوم جنوده، يجولون في أرجاء المملكة، وينادون: (من كانت له حاجة فليأتِ الملك، من كان في ضيق فليأت الملك، من كان مهموماً فليأت الملك، من كان عنده مسألة فليأتِ الملك).. وذلك ليل نهار، لا يفترون عن دعوة السكان إلى قصد صاحب السلطان..
قلة من كانوا يتركون مشاغلهم، ويذهبون، فيسألون، فيُعطون، وكانوا يحدثون من تخلّف عن كرم الحاكم، لكنّ الأكثرية كانوا منغمسين في أعمالهم وهمومهم، يصدّقون ما يسمعون، لكنهم لا يجدون وقتاً ليتحققوا مما يؤمنون به!
وكان الرجل البسيط الغارق في ظروفه الصعبة ممن يسمعون النداء، فيحتج بالأعمال والأرزاق، ومتطلبات العائلة، وأن بين يديه مسؤوليات، وعليه واجبات أكثر من الأوقات!
وفي يوم من الأيام، استيقظ الرجل على صوت صخب جنود الملك، يقفون وراء باب بيته، ويدعونه للخروج في الحال، فتح مذهولاً، فباغته الجنود، وأخذوه عنوة، ووضعوه في عربة، وساروا به في طريق غريب، وكلما سألهم مستفسراً، أجابوه: (نحن جنود الملك)!
وصلوا به إلى مدخل قصر منيف، لم ير مثله في حياته، ثم أعطوه مفتاح البوابة قائلين له: (هذا لك، بأمر الملك)!
دخل من بوابة القصر، ومرّ ببساتين وجنان، لا يستوعبها النظر، صعد الدرج، فإذا باب القصر مفتوح، وقد عُلّقت على مدخله يافطة، كتب عليها:
دعوتك أحد عشر شهراً فلم تأتِني، وأنا لك محب، وعنك غني، فجعلت قدومك عليّ فرضاً واجباً، لأخرجك بلطائف إحساني من ظروف حياتك، وأدخلك جنة الحياة الحقيقية في ضيافتي. جعلتُ إقامتك في منطقة أمان، فأغلقت دونك كل باب قد يوصل إليك ما يعكّر صفو إقامتك، وفتحت لك كل الأبواب التي يأتيك منها أنواع النعيم والراحة، وسلسلتُ لأجلك كل من قد يتسرب إلى نفسك، ويحاول إخراجك من سكونك وصفائك، وحشدت لك من الهدايا والعطايا ما لا يخطر على بالك، وكل ذلك لأنني أريد أن أنجيك من عذاباتك. أنت في الإقامة الطوعية شهراً كاملاً، قدّم لحياتك، وفوّض إليّ ظروفها، فهي عليّ هينة، إن عرفت قدري، وأتيتني كلما سمعت المنادي يقول: (حيّ على باب الملك)..
جل جلال الملك في علاه، هكذا هي حالنا معه، يدعونا، ثم إذا تخلفنا يأتي بنا، ويستضيفنا ثلاثين يوماً، لنلقي خلالها ظروفنا عن كواهلنا، ونفوضها للملك، ونكون من الشاهدين على تجليات أسمائه الحسنى علينا، فنرى لطفه، وكرمه، وحنانه، ورحمته، وعفوه، ونشعر بقربه، لا ماضٍ يحزننا، ولا مستقبل يخيفنا، وهل يحزن أو يخاف من اختار أن يقصد باب الملك؟
#رمضان_كريم