بـقــلـم: فضيلـة الشـيخ فـايـز ســيـف
عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى
الحمد لله الذي تحمّدا ،كلّم موسى ،ورفع عيسى ،واصطفى محمدا, وصلى ربّي وسلّم على البشير النذير ،والسراح المنير, سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى …
الصّوم سبيل من سبل التّربية وباب من أبواب الجهاد ونظام حازم يطبع المسلم بطابع المبادرة ،ومهما قيل في بيان معانيه وفهم أسراره ،فلا نزال نتبيّن فيها جديداً ونُبصر حِكَماً ،والتسلم الذي يرعى حقيقة الصوم ويُحسن القيام بواجباته ينال الأمر العظيم ،وتشمله الرحمة الواسعة ،فقد جعل الله سبحانه الصوم باباً من أبواب الطّهر وسبيلاً من سبل المغفرة التي تزيل آثار الخطايا ،وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم (من صام رمضان إيمانًا واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه )
فالصوم مجاهدة للنفس حتّى تتحرّر من عبوديّة العادات والشهوات وترتفع فوق ضروريات الحياة وتقوى على تحمّل ابسّدائد ومغالبة التحديّات، وهو يقوّي الإرادة ويكبح جماح النفس ويُكسب الإنسان نشاطاً في الجسم وصفاء في الذّهن، وهو تزكية للقلوب وترويض للجوارح على الطاعة وأخذ للأمور بالجدّ وصدق النيّة ومراقبةٍ ذاتيّة للضمير .
إن من يغفل عن حقيقة الصوم ولا يفطن إلى حكمته لا يعود صيامه عليه بثمرة ولا ينال منه إلا التعب وإلى هذا يُشير النبي صلى الله عليه وسلّم بقوله :(من لم يدَع قول الزّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه ) ومن هنا فلا بدّ للصائم أن يتميّز في قوله وعمله ويتّخّذ لنفسه سلوكاً يتّفق مع جلال العبادة وقدسيّة الإيمان .
علينا أن نتَخذ من صوم رمضان زاداً للتقوى والتّقرّب إلى الله تعالى ،لا نصوم جوعاً ولا عطشاً فقط، لزاماً علينا أن نراعي الله في أعمالنا وذوي أرحامنا وجيراننا وأوطاننا ،ولنلتزِم بالصّوم الموصل إلى التّقوى إيماناً واحتسابا ،أملاً في معونة الله ومدده لأمّة القرآن حتّى نكون خير أمّة أُخرجت للنّاس ،ولنأخذ من مدرسة الصّوم ما نستطيع من فضل وفضائل.
فرمضان ومضة ضوء ربّانيّة تنير القُلوب وتهديها ،رحلةٌ في رحاب الإيمان تدوم ثلاثين يوماً يحمل المسلم فيها زاده من نتاج أعماله ويرحل خالص النفس إلى الله طامعاً في مغفرته وثوابه ورضاه ،آملاً أن يكون الله قد غفر له ذنوبه وأعتق رقبته من النّار وقضى له حاجاته ،إنّها الرحلة الرّمضانيّة التّي نُعِدّ لها العدّة في كلّ مجالات النّفس والبدَن ،ونُعدّ فيها الزّاد الأسمى وهو التّقوى.