بقلم: سماحة الشيخ بلال بارودي
شيخ قراء طرابلس والشمال
الحمد لله رب العالمين الذي كتب الصيام علينا كما كتبه على السابقين. والصلاة والسلام على إمام المرسلين ورحمة الله للعالمين الذي كان في صيامه من السابقين وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين.
فها قد أظلنا هذا الشهر الكريم شهر الصيام والقيام والصدقة شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، هذا الشهر الذي اختصه الله تعالى بمزايا ليست في غيره من الشهور ولعل أهم ما يميزه نزول القرآن الكريم فيه.
فالله تعالى يقول: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” فكأن الله تعالى يريد تخليد ذكرى نزول القرآن فجعل هذا الشهر شهر الأحتفال بالقرآن .
وكيف يحتفل بنزول القرآن؟ الله تعالى هو الذي دلنا عللى كيفية الاحتفال بنزوله. لذلك سن لنا الصيام. فبالصيام نشكرنعمة القرآن المنزل في شهر رمضان نصوم احتفالاً واحتفاءً وشكراً على نعمة القرآن الكريم.
وقد جاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك : فقالوا ذلك يوم نجى الله منه موسى من فرعون فنصومه شكرأً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.
ونحن أمة مرتبط وجودها بالقرآن عزاً وشرفاً لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل بالقرآن كل رمضان حتى إذا كان في عام وفاته صلى الله عليه وسلم عارضه جبريل بالقرآن مرتين. (أي عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل مرتين).
يعني أهم ما يشغل به نفسه الأنسان في رمضان هو القرآن تلاوة ومدارسة وقيامة وتعلماً وتعليماً.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول القرآن أسهرت ليله، ويقول الصيام أظمأت نهاره، فيشفعان به. والصيام امتناع وإمساك والقرآن: إقبال وفعل، فيسمك الإنسان ممتنعاً حتى عن المباحات لأنه منشغل ومقبل على القرآن الكريم. فبهذا ينال ثمرة الصيام وشفاعة القرآن.
وحتى ينال كل ذلك على الانسان أن يقبل على الصيام والقرآن تعبداً لا عادة، فقد قال الامام أبو اسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى: مقاصد المكلفين قصد التعبد وقصد الحظ، أي يسير المسلم بهذا الفعل ويقصد نيل البركة والحظوة والقرب من مولاه. أي يترك كل شئ يقطع من سيره إلى الله ويقبل على كل فعل يقربه من الله.
لذلك قالت مريم عليها السلام” إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا” وهذه اللام لام الاختصاص فهي بفعلها تخص الرحمن بالذكر والفعل ولا تلتفت عنه الى ما سواه. فلذلك قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: من لم “يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” فحذار قطاع طريق الصائمين عن الله. وحذار من تحول هذه العبادة الراقية إلى عادة سارية. وتقبل الله تعالى منا ومنكم صيامكم وقيامكم.