انطلقت المسيرة العلمية والبحثية والحوارية لـ«دار العلم والعلماء» في طرابلس أمس، بمبادرة من الرئيس نجيب ميقاتي الذي دشن الدار، في احتفال أقيم للمناسبة. وينبثق اسم الدار من الصفة التاريخية الملازمة لطرابلس، وهي مدينة العلم والعلماء، ويهدف بحسب القيمين عليه، إلى أن يكون مؤسسة علمية تعمل على إعداد العلماء وتوحيد طاقات المجتمع لمواجهة التحديات المعاصرة، والحفاظ على قيم الإبداع والحوار والوسطية والتعاون والاحترام والمصداقية، وليؤكد بالتالي أن طرابلس كانت ولا تزال مدينة التعايش والتنوع والسلام والمحبة والحوار، وأن شعار «العلم والعلماء» هو واقع دائم وحقيقة ساطعة فيها.
تتألف الدار من مكتبة إلكترونية ومكتبة للمراجع والكتب العلمية مع قاعة للمطالعة، وقاعات مجهزة بأحدث وسائل التدريب والتواصل، وقاعة اجتماعات مجهزة بكل وسائل الاتصال، وديوانية وقاعة للندوات، وقاعات بحث ودراسة، ومكاتب إدارية. وستعتمد الدار في سبيل تحقيق أهدافها على إنجاز الدراسات والأبحاث في مختلف المجالات الفقهية والعلمية، إقامة الدورات التدريبية، وتنظيم الملتقيات والندوات وإصدار نتائجها، إصدار الكتب والتقارير والدوريات، التعاون مع المراكز والمؤسسات البحثية المحلية والعالمية، ومع الوسط الأكاديمي، اقتراح مشاريع بحثية وإجراء المسابقات بين المهتمين والمتخصصين، منح جائزة سنوية للباحثين المتميزين بحسب مقاييس ومعايير محددة، إضافة الى الترجمة والنشر.
كما ستعتمد الدار سياسة التركيز على الندوات وحلقات البحث والمؤتمرات العلمية، والسعي لتغطيتها إعلاميا بأوسع نطاق ممكن، وبمشاركة مختلف الاتجاهات الفكرية والمدارس الفقهية والتخصصات الأكاديمية، مما سيمثل مشهداً إحيائياً للفكر والثقافة والتفكير العلمي في طرابلس.
وقد حضر الافتتاح مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، مفتي طرابلس والشمال السابق طه الصابونجي، رئيس المكتب السياسي في «الجماعة الاسلامية» عزام الايوبي، رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان الشيخ مالك جديدة، والرئيس السابق للهيئة الشيخ سالم الرافعي، أمين الفتوى الشيخ محمد طارق إمام، والرئيس الاسبق للمحاكم السنية في لبنان الشيخ ناصر الصالح، رئيس دائرة الأوقاف الشيخ حسام سباط، شيخ القراء بلال بارودي، وحشد من الفاعليات الدينية والسياسية والاجتماعية.
في الحفل، أكد ميقاتي «أننا نريد هذا الصرح الجديد أن يكون منارة لنشر رسالة الاعتدال وقيم ديننا السمحاء التي تشكل مساحة للالتقاء بين جميع الاديان»، وقال: إن افتتاح هذا المركز من طرابلس اليوم هو اكبر رد على كل من يريد ان يلبسها ثوبا غير ثوبها وينعتها بما ليس فيها من إرهاب وتطرف من أجل تحقيق غايات ومآرب سياسية رخيصة. ودعا ميقاتي رجال الدين الى أن يثبتوا للعالم أجمع انهم قادرون على انقاذ اجيالنا من براثن الفتنة والجهل وعلى حملهم الى السير بطريق الحق.
وقال رئيس مجلس إدارة الدار عبد الرزاق قرحاني لـ«السفير»: منذ مئات السنين أُطلق على طرابلس «مدينة العلم والعلماء» وكانت تتألق بـ 360 مدرسة ودار للعلم، تخرج منها كبار العلماء في مختلف ميادين الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وكل أنواع العلوم الشرعية والقرآنية. أضاف: كانت الفيحاء قبلة للرحالة والباحثين حيث كانت تضم أكبر مكتبة على وجه الأرض، تحتوي على ثلاثة ملايين من الكتب والمخطوطات، وكانت هذه المدينة مواكبة للتطور ومحافظة على الأصالة. وكان من المستغرب ألا تجد في كل بيت فيها عالماً أو طالباً للعلم. وكانت عائلات هذه البلدة الطيبة تفتخر بأبنائها العلماء والمفتين والمؤلفين والمربين. لذلك يأتي دار العلم والعلماء من أجل تعزيز فكرة العلم والتعلم في المدينة، وليكون منطلقا للحوار والتعاون لما فيه خير طرابلس، وليشدد على ضرورة اعتماد الوسطية والانفتاح كمنهج حياة، وعلى رفض كل ما يمت التطرف والغلو والانغلاق والتقوقع بصلة.
السابقالمقالة السابقة